معرض الفنان ثامر داود في مدينة نيويورك 
ألوانه عائمة على برزخ الروح

يمتلك الفنان ثامر نظرة خاصة به يفسر من خلال ولوعه بعض الاشارات والاشكال الصغيرة التي تكونت من حزمة الألوان متجانسة محسوبة بعفويتها أثناء تنفيذ العمل ثم ما تلبث ان تنثر على سطح اللوحة كالخرز باعثة النور والحركة الراقصة في محاولة امساك الروح, عبر نهج من الرسوم الصغيرة التي تشبه الرموز السومرية في الكتابة والرسم كاننا في حضرة جدران المعبد للكهنة , تتناثر الاشكال، وبعضها موجود داخل مربع مصمم للشكل وبجانبه ايضاً أشكال مختلفة تشبه التعاويذ , مرسومة او محفورة على سطح ثخين من الالوان الاكريلك حيث يذّابل اللون الشذري مع خلفية اللون المخملي فتسقط على أكرة العين بشكل هاديء كالدمع في جرّة العين, الوانه ترفرف من حول المتلقي , ترن القلب في باحة صالة العرض, كانها حالة انتظار طالت الغيبة بعدما تكسرت مرايا الشوق لذكريات شجرة الغائبين , يطرز حزنه بقمر الطفولة على سطح اللوحة من خرائط بلون الازرق و الاخضر ومشتقاته لكي يغفو في بساتين النخل بقربه نور من القنديل يرعش اللون الازوردي بحنين كالطائر حائر في ساعة الغروب. يعاند كالطفل الذي يمسك فرشاة بتلك اليدين الفراتية المضمختين بالالوان والمسك كي لايشعر بالوحدة , لأنه يرى الاشياء التي عبرعنها كمصدرلحاسته البصرية ( السعف,الشموس والاقمار,.واشارات ) بوصفها كتلة مجردة تمور بالتوجس والعنفوان , كما نجد في لوحاته بقايا سر اللون في تعداد غيوم الظهيرة او في مشاركة نور الشمس شتاء خجولة , ثم يمنح الوانه اشراقات اكثر الاثارة والقوة في لوحاته تتلامس مع لمسات فرشاته مع تناغم وتداخل الخطوط لكي يستطيع ان يبوح مايريد باسرار اللون,فهو يختار اللون الازرق الغامق مع الاصفر والبرتقالي احادي اللون كخلفية للوحة يرمز بها الى عالم روحي غير مرئي ,الى ذاكرة الزمان والمكان.

يبني الرسام ثامر اشكال لونية مجردة غريبة غاية في البساطة , مستخدم التسطيح كاحدى وسائله في التعبير بالرسم عما يعرفه ,حيث تظهر محنة الموجز الشكلي والتناسق في توزيع الاشكال والكتل والنتؤات والتهشيرات الملونة كانه يجمع تلك الحالات بين نظرته للأشياء من زاوية معينة ,اي الميل الى مقام التجريد, يأخذ منه شيئاً ,كالرسم بقية الأثر, و يريد ما يناسبه فتستوي عليه التدبير, يصبح فضاء اللوحة مغمور بعالم الألوان الزاهية والمتوهجة شبه تجليه بانكسارات الضوء على سطح الماء , محملة بالأشارات مرسومة بضربات رشيقة وقصيرة النفس وبتلقائية من خلال بوح الباطني في المزاوجة بين الصورة الحسية ورموزالفسيفساء العراقية.

رسومات ثامر تتحول الى كينونات مركبة ومرصوصة ومفتوحة ,لكي تملأ اللوحة باصباغ ملونة تستدعي ذاتاً قلقة مسكونة بشعرية الظلل. في حين يظل الفنان ثامر وهو يرسم المشهد ليخط معالم الخراب الروحي الذي اصاب عراقه وجراح العالم , لكنه في النهاية يصر على تجاوز المحنة بالرسم رغماً وضدأً على هذا الخراب ,كاشفاً جديداً في مسار تجربته التي تكون جداره الواقي من العزلة والخراب

 

 أسامة عبد الكريم

 

Back

 Designed and hosted by ENANA.COM