ثامر داود: تجليات حروفية , أو استغراق في المعاني


يتساءل ستولنتيز جيروم : هل إن الفن علم أم عمل أم معتقد أم إصلاح أم ماذا ؟
_ وحين نلج في عالم الفنان ثامر داود , فالأسئلة تتفتح مثل عيون محدقة عن المعاني المبجلة الكامنة في لوحاته وتخطيطاته وتصاميمه فالهم الكبير لدى الفنان يكمن في ابتكار ذاته وتقديمها على شكل تلاوين مموسقة مسوغة بالفهم لتاريخ الفن العام ومؤيدة بطائفة إحساسه المرهف وحدسيه المتقن .
لقد تسنت لي فرص الإطلاع على منجزات الفنان في بغداد وكانت تمثل حصيلة رائعة من اللوحات الزيتية والتخطيطية والكرافيكية , وبعد هجرته من العراق إلى الولايات المتحدة الأمريكية , دأب الفنان بتواصله معي مادا جسورا بيننا عبر خطوط الانترنيت , ولقد بعث لي سلسلة طويلة من الصور التي تستحق التوقف عندها ودراستها .
لقد عرفت ثامرا جيدا واقدر فيه ثقافته الرصينة واحساسه المرهف بمعاني وجوده كما إن حرصه الشديد على فنيه مبعث اعتزاز وفخر لنا جميعا فالفنان لايفوت على نفسه فرصة القبض على الأفكار الخلاقة وذلك بمزاولة فن الرسم يوميا وبلا انقطاع ويحق عليه قول شيللر :(يتجسد أمامك الفنان حتى وان قضم إظفاره ) .
فلو حدقنا في شخصية الفنان فسنجدها متطابقة مع الفن المتحقق من بين أنامله .
إننا الآن سنستقصي في عوالمه , نفتش في مدوناته البصرية ربما ستقدم لوحاته وشاية عن الفنان , آنئذ سنكتشف نواياه وقصوده كما ينبغي وسنقدمها بتقرير إلى المتلقي .
إن الفنان لايجاهر بقضية ولايناظر بفكرة معينة بقدر تعلق الأمر بفهم قيم الفن ومغزى الجمال , فكيف سنصف لوحاته الجديدة ؟
_رسم الفنان بالألوان والملمس الكثيف تقاطيع وبروزات وخدوش وحزوز فاللوحة تقف ماثلة تفشي أسرار الفنان لا من خلال الوحدات الصورية والاشارية المنحدرة من رحم السنوات السحيقة ولكن من فهم الفنان المنطقي لمعنى المعاصرة بوصفها مسايرات مع الاتجاهات الإحداثية في العالم فاللوحة هي دالة على وعي الفنان المهذب بأشياء الحياة المختلفة ولذا وجدناه يشتغل بمنطقة التجريد , ليس بمعناه المطلق ولكن التجريد الذي يقبل بعض التضمين التعبيري كالإبقاء على المسميات وعلى صيغة العرض النمطي المحدد للاتجاه في اللوحة بطريقة تصميمية محسوبة دون تخطي المواد الخام المتعارف عليها في فن الرسم كما إننا لانجد أثرا للجسد الآدمي أو الوحدات الصورية الخليقية فالتجريد لدى الفنان يزاوج بين التعبيرية والرمزية فتارة نجده يقصي أو يزيح بعض الاختيارات وتارة أخرى يؤكد حضورها وفق قصد مسبق .
إن الفن لديه ليس لهوا ولا لعبا ولا ترفا أو ترفعا ولكنه النجوى المنبعثة من دواخله وقناعاته المتجذرة في سره بوصفه فنانا مسلما فالانعكاسات الحتمية ستؤول إلى تهذيب الشكل بمنأى عن النزوعات المتطرفة أو الانفلات في عالم الغرائز والكبوت المتراكم مثل طبقات متكلسة .
إن اللون والملمس الكثيف وسطح اللوحة ولحظة الإبداع المتألقة الآتية إليه من الأكوان السحيقة تدفعه لمزاولة النجوى والتضرع والابتهال وهذا الضرب من العمل الصوفي يجعله متماهيا مع مايحب , بيد أن الأطر الذاتوية ستفصح عن كينونتها شاء الفنان أم أبى .
يبدو لي بان ثامر داود يشتغل بتوازن مع روح العصر فالتجريد يعني رؤية مالم يره احد فأخيلة الفنان ترجع فيه القهقرى لسنواته المبكرة ولعله يستنهض قيما اظافية من ذاكرة الإسلاف في الماضي السحيق فالتقاطيع وااشارات والرموز تضفي طابعا قدسيا مهيبا معبرا عن الصفاء الوجداني .
اعتقد : بان ثامر داود يرغب في الاستزادة والتعلم بشكل لامحدود وبخاصة في الية العمل على المواد الكثيفة , إنها تنطوي على سجايا وخصائص فريدة ولكي يستظهرها بشكلها اللائق فما عليه سوى الالتجاء للوحدات الصورية والرمزية



صلاح عباس
رئيس تحرير مجلة تشكيل
العراق / بغداد 2009

Back

 Designed and hosted by ENANA.COM