ثامر
داود . . الانغمار في الفنون , بعيدا عن الاضواء
صلاح عباس :
على مدى اكثر من عقدين ، زاول الفنان ثامر داود فن الرسم ،
محققا لذاته ، اعمالا فنية كثيرة ، تعطي الانطبـاع بمقدرة
هذا الفنان ، بالخوض في مجالات الرسم ، حيث تفهمه العميق
للالـوان ، والخطـوط ، وحيث اطلاعـه على تاريخ الفن العام
، ولاسيما الفن التشكيلي العراقي المعاصر ، ففي مجالات
الرسم ، كرس الفنان جهدا ابداعيا يستحق الاشارة ، كما
يستحق الثناء ووضع التقدير الجيد .
لقد اطلعت على اكثر تجاربه في ميدان الرسم ، ورأيته متفاوت
ومتباين بوضوح تام ، وكأنه يخوض تجاربه ليس الا ليحقق اعلى
قدر من تلذذه ، فلا الشكل الثابت يغريه ، ولا الالوان او
سبل انجـازها هي التي تحـدد بصمتـه الشخصية ، بل ان الطابع
الكلي المتعلق باختيار المواد الخام ، او الاشكال او لغة
البوح التي يبتغيها فالفنان ثامر داود ، له تمرس جيد في
الاداء الفني الاكاديمي الذي تحكمه الضوابط المرئية ،
ويخضع لقواعد المنظور وانكسارات الظلاال والاضواء ورسم
التفاصيل والاجزاء وما شابه ذلك ، ولكنه اليوم ، يطالعنا
بتجربة لونية اخرى ومغايرة تماما لما هو مرئي ، اذ ان
الفنان استطاع ان يدير بوصلة الفهم ليتجه في ابحاره
الجمالي الى الغايات الروحية العميقة ، والى اللغة الغير
هجائية ، ليفصح عن مكنونات دواخلة ، وليعبر عن تحسسه
المرهف بالوجود والكون وكأن الفن عنده يشبه الصلوات او
الابتهالات ، فجاءنا مهذبا ، ومتساميا ، مترفعا عن كل
الاحتياجات .
اننا نرى الوانا تتداخل لتشكل مربعات ، متناغمة يحكمها
طابع موسيقي ، ويهيمن عليها سر من دخيلة الفنان ، نبصر
تناسقا محببا في الشكل ، الذي لايخضع ابدا لوصايا احد من
الفنانين ، لأن الفنان وبسبب من فهمه لتاريخ الفن العام ،
حاول ان يعمل بمنطقة فنية بعيدة عن الاخرين ، مجترحا لنفسه
اسلوبه الفريد والمميز وذلك رغبة منة في عدم الوقوع في
فخاخ الاتباعية ، فكانت لوحاتة تنبئ عن مقدرة رائعة في
الاداء اللوني ، وابتكار الشكل وتضمين المواضيع ذات
الانشاءات الوجدانية والروحية ، فالمطلب الكبير في الفن
يكون في حسن استثمار طاقة المواد الخام ، لانها تمثل
الوسيط الناقل لأفكار الفنان واهوائه ورغبائبه وتخيلاته
وتأمله ومن ثم تأليف الشكل الملائم الذي يقدم للمتلقي نوعا
من التحدي البصري الذي لايقلد به احد ، والشكل كما نعرف هو
حاضنة للافكار ، فلا وجود لفكرة حاذقة ما لم تكن معبأة في
شكل مبهر وأخاذ .
لقد اخذ ثامر داود ، كل العناصر الداخلة في بناء اللوحة
الجديدة ، وبنضرة متنبهة وذكية ، بحيث تبدو خلاصاتة عبارة
عن بحث في جديد جيد ، ان اخلاص الفنان لعمله ، أمن له حقا
في تملك الاسلوب المسوغ برؤية حداثية يمكن اضافتها للتجارب
الفنية الواعدة ضمن مساحة المشهد التشكيلي العراقي المعاصر
، لما يتضمن صدقا في الاداء ، وصدقا في الفهم ، ولما
للفنان من شعور خاص بالفن ، فالفنان يعيش معه يوميا اكثر
مما يعيش مع اسرتة ان مجموعة تجاربة الفنية لاتنفصل ابدا
عن شعوره العميق بقربه من الفنون ، ومن الفنانين المرموقين
في العراق وكما يعرف الكثير من اصدقاء الفنان ثامر داود ،
بأن لهذا الفنان محترف للطباعة الحريرية ، المؤداة بشكل
يدوي وفني وان الكثير من الفنانين العراقين انجزوا في
محترفه ادلة وملصقات ، بل ان بعضهم انجز عنده اعمالا فنية
خاصة ، ومنهم الفنان اسماعيل فتاح الترك والفنان محمد مهر
الدين والفنان ضياء العزاوي والفنان رافع الناصري والفنان
علي طالب والفنان خضير الشكرجي وسواهم من مبدعينا الفنانين
.
ان توزع جهود الفنان في مجالات التصميم والطباعة والرسم ،
كل ذلك ، جعل من الفنان شموليا ، وملما بخبايا الفن
التشكيلي ، فاللوحة الجديدة التي يرسمها ما هي الااستراق
من الزمن فالوقت ممتلئ جدا وان ساعات اليوم بشكلة المعتاد
لاتسمح بانتاج كل هذا الابداع ، واعتقد ان الزمن الاعتيادي
يراد له ساعات اضافية اخرى هذا هو الجهد المستثمر وهذا هو
الابداع الذي لاتحده الحدود .